توطئة:
الحركة الإسلامية بالمغرب هو ذلك التيار النابع من مسار الصحوة الإسلامية التي عرفها المغرب شأنه شأن باقي أقطار العالم. إنه تيار يتمثل في مجموعة من الجمعيات والتجمعات والمنظمات التي تشترك كلها في منطلق واحد يتمثل في تبني الإسلام كأصل في مجال العقيدة والتشريع، في أفق إصلاح المجتمع وإقامة الدين فيه، بحيث يصبح الإسلام هو المرجع الأساسي للحياة اليومية والعامة، والمؤطر للحياة، رافضا استيراد أي نموذج أجنبي أو غربي[1].
وإلى جانب هذا التعريف، هناك من يرى الحركة الإسلامية هي ذالك التنظيم القائم الذات الذي يعطي على المستوى الداخلي الأولوية لتربية الأفراد وتكوينهم تكوينا إسلاميا متكاملا، وعلى المستوى الخارجي يعطي الأولوية لإعادة الاعتبار للإسلام على المستوى التشريعي أو الاقتصادي أو السياسي.
أما إذا كانت الحركة الإسلامية باعتبارها تيارا فكريا، فإنها تقوم على تبني اختيارات تنبع من الإسلام، ويسعى من خلال ذلك تجديد الفكر والواقع الإسلاميين، لأنها بمثابة شعور بالانتماء إلى هوية عقدية وحضارية واعتزاز لمواجهة الغزو الاستعماري إن على الصعيد السياسي أو الفكري[2].
إن السياق العام الذي تحكم في بروز الحركة الإسلامية المغربية تأثر بشكل كبير بما وقع في بلدان المشرق، إذ أدى انتشار الفكر للإخوان المسلمين وإعادة اكتشافه من طرف المسلمين خصوصا بعد المجازر الوحشية التي عانوا منها تحت ظل نظام جمال عبد الناصر، إلى انتشار المد الإسلامي في المغرب، علما أن الزعيم الاستقلالي الراحل علال الفاسي، وبالنظر إلى علاقته الطيبة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، كان له الفضل في ترويج أطروحات الجماعة، بل إنه هو من أدخل "في ظلال القرآن" و"معالم في الطريق" للشهيد سيد قطب إلى المغرب[3].
إن حزب الاستقلال الذي يعد العمود الفقري للحركة الوطنية كان حزبا إسلاميا في منطلقاته وأهدافه وزعميه الراحل علال الفاسي كان مفكرا إسلاميا. ثم إن حزب الاستقلال الذي انشغل بالمعركة السياسية ضد المستعمر عن تحصين قواعده بالثقافة الإسلامية لم يسلم من التعرض لاختراق للأفكار اليسارية التي شهدت بريقا وتوجها في تلك المرحلة[4].
الحركة الوطنية كانت في جوهرها حركة إسلامية سلفية تدعو بالإضافة إلى مناهضة الاستعمار للرجوع إلى أصول الإسلام وتطهيره من البدع والانحرافات. وبما أن الجوهر الإسلامي للأمة المغربية قد خبأ في الستينات لبعض الوقت نظرا لعوامل يرتبط بعضها بتأثيرات الاستعمار الثقافي وبمقتضيات الصراع السياسي والنزاعات الفلسفية التي كانت سائدة خلال الستينات، فإن عقد السبعينات سيشهد استعادة الوعي بالهوية الحضارية القائمة على الإسلام. غير أن الحركة الإسلامية الحديثة في المغرب لا تعدو أن تكون شكلا من أشكال التأطير التنظيمي المعاصر للمعاني والحقائق التاريخية المرتبطة بإسلامية الأمة المغربية.
في سياق التحولات التي أفرزها “الربيع العربي”، دخلت الحركات الإسلامية منعطفا جديدا بعد أن برز مشروعها المجتمعي، ونالت ثقة الشعوب في كل الانتخابات التي عرفتها المنطقة سواء في تونس أو مصر، أو في المغرب حيث حقق حزب العدالة والتنمية فوزا كبيرا في انتخابات 25 نونبر الماضي بوأته الصدارة وقادته إلى ترؤس الحكومة.
إن التحولات التي جاء بها الربيع العربي، وقبله نجاح تجارب المشاركة السياسية لبعض الحركات الإسلامية، ساهمت في جعل الساحة السياسية تستوعب الحركة الاسلامية التي اضطرت إلى اعتماد مقاربات جديدة أكثر واقعية تأخذ بعين الاعتبار الاختلاف الطبيعي بين مكوناتها وتدفعها إلى التقارب فيما بينها، رغم اختلافها من حيث مواقعها في المشهد السياسي العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم مشاركتنا بآرائكم واقتراحاتكم