من منا لا يتذكر الأوطان التي قضى فيها أجمل لحظات الطفولة ؟، ومن منا لا يحب أرضا تضم في أحشائها بقايا الأجداد.؟ من ذلك الذي يكره مكان نشأته ورفقة بني عمومته ؟.
بعد أن يتغرب المرء لسنوات طوال عن مدينته ، يود العودة لها ليراها ويتفحص أحوالها قدر الإمكان ليتذكر الماضي ويتابع المستقبل عن كثب ، ولعل أهم ما يمكن معاينته اليوم هو أن الإنسان لابد له من العيش بعيدا عن أرضه وناسه ، بسبب المتطلبات الصعبة للحياة ، لكن بالمقابل هنالك من الوسائل التي قد تجعلك حاضرا و متابعا لأحوال العشيرة ثم القبيلة عبر وسائل الاتصالات المتطورة ،، الخ ، هذا الولاء والحب للأوطان لم يكن يوما من الأيام نتيجة للحظات عابرة ، بل أنه يستمد قوته من لحظات عشق لا تنسى في الماضي وتستمر في المستقبل ، و أكثر من ذلك فمصدره ينبثق من المحيط المعاش تتداخل فيه الأسرة والرفقة ثم الأمكنة ، وبالتالي يصبح الإنسان مرتبطا بوطنه ارتباطا وثيقا .
موطننا اليوم أسا تعرف نوع من التغيير في العقليات وما أحوجنا لهذا الأخير، لأن عماد تقدم أي مجتمع كيفما كانت طبيعته هو نهضته الفكرية ، فالعقلية إذن هي المحدد الأساسي لتقدم الشعوب وتخلفها ، والحمد لله أصبحنا نلامس نفحات التطور المعرفي وحتى ألمعاملاتي للعديد من أبنائنا بأسا وأثني عليهم بالرغم من خصوصيات الوسط الذي يحتضن الجميع ، لكنني بالمقابل ألوم فئة من الشباب الذين يعتبرون أنفسهم مثقفوا المدشر ، تخليهم عن دورهم في تأطير وتوعية الجماهير التي تعتبرهم طليعة المجتمع ، فإن كانوا يفعلون ذلك إحجاما وجبنا لنا فلن نخشاهم في الضراء ، ومن الممكن أن نستفيد من أهل الرأي منهم ويشرفوننا في السراء ، أما أولئك الذين يبتعدون عن همومنا فهذا يعني أنهم ذو طموحات وأنهم يفكرون في أنفسهم ولا يفكرون في غيرهم وما أكثرهم في أسا كل له حكايته الخاصة ، وطريقته الأصلية في التملق للوصول للمآرب الشخصية والضيقة وإن كان ذلك على حسابنا ، وعليه فيجب على الجميع أن يحترس منهم وأن يعتبرهم أعداء غير ظاهرين يمكنهم المساهمة في تأخر النهضة الفكرية للجماهير بالمدشر عن قصد.
وحتى نتمكن من ضبط عناصر قوة وضعف موطننا الحبيب لا بد لنا من تناول تصرفاتنا تجاه بعضنا البعض أولا ثم نظرتنا للغريب ثانيا ، فمعروف عن أهالي أسا أنهم ينتمون لنفس القبائل ، وبالتالي هناك خصال معينة تكسبهم المديح والثناء وأخرى تجلب عليهم اللوم ، بحيث يعرفون السخي من البخيل ، والقاسِي من العطوف ، ومن لا يصون الوعد و من هو الجدير بالثقة ، لكنهم من جهة يقعون ضحايا حسابات شخصية متجاوزة تكون لها نتائج وخيمة على مستقبل الكل ، وما الصراعات المثارة في الإقليم إلا دليل قاطع على تشتت الأفكار والمرجعيات لأبناء القبيلة الواحدة .
اما الغريب عندما تطأ قدماه أسا ، يشعر وكأنه في بلاد غريبة ، الكل ينظر له ويتحدث عنه على أنه غريب فعلا بينهم ، مما يتأكد له أنه وسط أسرة واحدة وأن اسا صغيرة المساحة والتعداد السكاني ، وما عليه سوى التأقلم مع الوضع الجديد، وبالتالي تكون نظرة الجميع له على أنه عابر سبيل فهو يحدد نظرة الجماعة له من عدة جوانب .
وختاما أرى أن بلادي حالتها مستعصية ، وظروفها قاسية ، لكن من واجبي السهر على حماية أملاكي بقوة وحراسة مصالحها عن كثب .." فإذا لم تحقق أحلامك فواصل النوم " هتلر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم مشاركتنا بآرائكم واقتراحاتكم