الحسين الشركاوي
لقد شكلت الانتفاضات الشعبية التي عرفتها العديد من
الأقطار العربية، والتي أدت إلى تنحي بعض الرؤساء العرب كابن علي في تونس و حسني مبارك في مصر ، نموذجا
سياسيا انتقلت عدواه لتشمل المغرب. حيت ظهرت حركة 20 فبراير التي أقنعت في بدايتها شرائح
عريضة من الشعب المغربي بالخروج في تظاهرات يوم الأحد 20 فبراير 2011 في مختلف
ربوع المملكة رفعة شعارات عكست مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية.
ولم تمر إلا اشهر على التظاهرات والمسيرات التي
نظمتها الحركة في العديد من المدن المغربية، حتى استشعر النظام القائم بالمغرب التحدي
الذي تشكله هذه حركة ، مما جعله يأخذ حركة
20 فبراير على محمل الجد ،فبادر إلى امتصاص عنفوانها والتحكم في مسارها، وان كانت
الحركة لم تستهدف اسقاط النظام بشكل مباشر
من خلال شعاراتها.
غير ان حضورها الوازن داخل الحراك السياسي
الوطني،جعل حركة 20 فبراير محور الاستقطاب الاساسي سواء من قبل الدولة او
الاحزاب،والدليل على ذلك هو قوة ارتداد شعاراتها المطلبية ،وهو ما اتضح في مسار
الاصلاحات الدستورية الذي دشنته الدولة المغربية في 2011،بل وحتى الخطابات
السياسية للاحزاب تغيرت وصارت لتستعير شعارات الشباب "العشريني".
هي دينامية ،قلما شهدها المجتمع المغربي،تتطلب من
الباحث الانزياح نحو الصمت ،من اجل تفكيك ورصد مختلف القراءات ،وذلك بهدف توفير
المساحات الضرورية من اجل تفسير ما وقع على ضوء التحليل السوسيولوجي و التاريخي
،وكذا لغاية قياس مستويات التفاعل الرسمي مع الشعارات المطلبية لدى مختلف الفرقاء
بتعدد مواقفهم و اصطفافاتهم داخل المخاض العام الذي عاشه الشارع المغربي. فالصيرورة
التاريخية للمجتمعات عادة ما تكون بالغة التعقيد ،عصية على الفهم .
تثير حركة 20 فبراير مجموعة كبيرة من الاسئلة
السياسية و السوسيولوجية،باعتبارها نموذجا واضحا عن الحركة الاحتجاجية المغربية،و
منتوجا سوسيولوجيا منغرسا في النسيج الاجتماعي المغربي،
وساهمت ثورة الاتصالات في انتقال الانتفاضات
العربية بشعاراتها المطالبة بالتغيير و الاصلاح،في انبثاق حركة 20 فبراير من طرف
شباب اطلقوا دعوات للاحتجاج والتظاهر ضد الاوضاع الاجتماعية وللاقتصادية،عبر فضاء
""القارة الفايسبوكية""،انطلاقا من ارضية تأسيسية مطلبية تضم 20 مطلبا أساسيا،كان سقفها
السياسي هو الانتقال الى الملكية البرلمانية.
وفعلا كبرت الحركة ،وانضمت اليها فئات عريضة من
الجماهير الغاضبة ،حيث يمكن القول "سوسيولوجيا" ان كل الفئات و الطبقات الاجتماعية كانت ممثلة
في تظاهرات الحركة
مسترشدين بالتراكمات التاريخية التي خطتها الحركات
الاحتجاجية المغربية على مدى عقود،مع الافتراض ان الفكرة التي قادت شباب الحركة هي
ان مختلف الحركات الاحتجاجية السابقة،هرمت وانعدم تأثيرها السوسيولوجي،سواء الحركات الجماهيرية التي ضاعت وتشوهت مطالبها بتسرب اللصوص
والمخربين الى صفوفها،أو حركات سياسية و حزبية يسارية ظلت حبيسة ايديولوجيتها،او
حتى حركات نقابية تكلس حسها النضالي وغرقت في الحروب الداخلية من اجل الزعامة
فبعد ان تراجع المد الثوري و مرجعياته الكبرى وبعد
ان جلدنا الذات بلا شفقة ،فاننا نعلم اليوم بان الممكن كان كامنا في الواقع وبان
من فعل هذا الممكن ليسوا هم الفاعلون الذين لطالما انتظرناهم ،بل هم "ناس عاديون"،هم
شباب كانوا مجرد ارقام وجداول داخل الاحصائيات والدراسات،و ما سمي مفاجأة، هو
تلقائية الممكن، التي لم يستطع مالكوا المعرفة من الاعتراف بها حتى لا تفقد النخب
قدرة التوجيه و القيادة
هكذا سيتشكل لدى المخيال السياسي لهؤلاء الشباب
إحساس "طفولي" بالانتماء لهذا الوطن وبأن الزمن زمنهم هم بالتحديد،لا
زمن الاجيال السابقة التي هرمت و تسرب الوهن الى شرايينها السياسية
والثقافية،يتعلق الأمر هنا سوسيولوجيا بثقافة متميزة للاحتجاج ،وبتقاليد تنظيمية
ونضالية محلية لتسويق مطالب و شعارات محددة اذكاها لهيب الشعارات المرفوعة على
امتداد خريطة أوطان الاضطهاد "العربي"،في صيرورة تاريخية يصبح الاحتجاج
داخلها عبر عمليات الانتاج و اعادة الانتاج، نمطا ثقافيا يؤسس لذاته و موضوعه في
سياق التبادلات الرمزية التي يحفل بها الحقل المجتمعي،فالثورات
تستلهم ولا تستنسخ،لان العوامل الاقوى موجودة في التربة السوسيو - سياسية
المغربية.
فحركة 20 فبراير حركة شعبية، وتستمد هذه الخاصية من
كونها ليست تنظيم سياسي بالمفهوم التقليدي المتعارف عليه، فهي ليست حزبا أو نقابة
أو جمعية، ولم تحتاج إلى سند قانوني من طرف السلطة لتبدأ نشاطها على غرار باقي
التنظيمات الأخرى، بل هي حركة شعبية ظهرت في المشهد السياسي المغربي لتعكس مطالب
العديد من شرائح المجتمع المغربي، فهي بمثابة صوت الشعب المباشر الذي ينزل إلى الشارع
للتعبير عن أرائه بدون وساطة حزب أو نقابة
أو جمعية رغم مشاركة عدة تنظيمات في مسيراتها ومظاهراتها نزلت الحركة الى الشارع ،حاملة معها 3 أسئلة
جوهرية،أولها هو المتعلق بالعلاقة بين المؤسسة الملكية والمجتمع ،حيث كان مطلب
الملكية البرلمانية يبرز ان هذه المؤسسة تحتاج الى مشروعية سياسية جديدة ،لان
الشرعية التاريخية و الدينية لم تعد كافية لوحدها من اجل ردم الهوة بين المؤسسة
الملكية و المجتمع المغربي اما السؤال الثاني فهو المتعلق بالحقل السياسي
المغربي ،الذي يتسم ببؤس و ضعف الفاعلين السياسيين،الذين لم يقدروا على بلورة
سياسة تحديثية للمجتمع و الدولة،و اخيرا، أعلن بروز حركة 20 فبراير عن النهاية
الحتمية لكل السيناريوهات التي اشتغلت
عليها الدولة لتدبير الاصلاح من منطلق
اعتباره مخرجا أو تخريجة مناسبة ابان فترات الاحتقان و التوتر،وليس من موقع
صياغة سياسات تنموية شاملة طويلة الامد وغير خاضعة لاكراهات اللحظة.
غير انه وفي المقابل ،لم ترقى حركة 20 فبراير الى
مستوى قوة اقتراحية،حيث لم تبلور برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا
استشرافيا،يحمل مشروعا حداثيا قادرا على اخراج المجتمع المغربي من حالة التردد،
الا انه من الضروري استمرار الحركة كقوة ضغط على صناع القرار السياسي مع التشديد
على ضرورة صياغة مشروع سياسي و ثقافي و اقتصادي،واجتماعي.
وخلاصة للقول يمكن الجزم أن تعامل النظام المغربي كان ذكيا ومرنا ،بخصوص تبني مطالب الشارع وعدم
نهج اسلوب القمع،وهنا ربما احد اوجه الاستثناء المغربي،فقد نجح اسلوب الاحتواء في تهدئة الشارع بشكل تدريجي،رغم ما تم ارتكابه من اخطاء سوى في
20 فبراير،او في احداث تازة الاولى والثانية،والحراك في بني ملال، ومراكش ... الا ان
ذلك لا يمنع من التأكيد على ان فوز العدالة والتنمية في الانتخابات ، وتسييرها للسلطة التنفيدية في البلاد زادت النظام
مناعة وحصانة نسبية.
لكن السؤال الذي يبقى مطروحا وآنيا هو، هل حركة عشرين فبراير مازالت مستمرة ؟؟ ام انها انتهت ؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمكنكم مشاركتنا بآرائكم واقتراحاتكم